من الكابوس إلى الحقيقة المرّة... إلى حلم إعادة الإعمار والسلام؟
د. فؤاد زمكحل

رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ

Monday, 25-Nov-2024 06:33
تحدّثنا لمدة سنة عن مخاوف وكابوس الحرب ومن ثم أصبح الكابوس حقيقة مُرّة، ونتحدّث منذ شهرَين عن تداعيات هذه الحرب المدمّرة على بلدنا واقتصادنا وشعبنا. هل حان الوقت لنحلم بالعيش بسلام وبإعادة بناء وطننا للمرّة الأخيرة على أسس وركائز متينة؟

إنّ إعادة الإعمار تنقسم إلى ثلاثة أجزاء أساسية: إعادة إعمار القطاع الخاص، إعادة إعمار الدولة ومؤسساتها، وأخيراً إعادة إعمار المباني، إثر التدمير الهائل وخصوصاً في الجنوب والبقاع والضاحية.

 

إنّ إعادة إعمار القطاع الخاص يحتاج أولاً إلى رؤية موحّدة وواضحة وإعادة بناء الثقة، وخصوصاً الثقة بالمستقبل. فقد تعب القطاع الخاص من الإعمار ومن ثم من التخريب مرّات عدة، ولن يُعيد الإعمار إلّا على أسس متينة. علماً أنّ قسماً كبيراً من هذا القطاع، قرّر مغادرة البلاد من دون عودة. أمّا القسم الآخر، حتى لو أراد إعادة الإنماء، فإنّه يحتاج إلى تمويل وقروض واستثمار ومصارف فعّالة لإعادة التطوير.

 

نذكّر أنّ القطاع الخاص اللبناني هو المحرّك الأساس للاستثمار والإنماء، لكن يُواجه ليس فقط حرباً على أسسه، بل حرباً على اقتصاده، فتراجع الناتج المحلي من 55 مليار دولار في العام 2018 إلى 19 ملياراً في العام 2023، وإذا تواصلت الحرب فالناتج المحلي المرتقب لن يتجاوز الـ16 ملياراً. علماً أنّنا نتحدّث هنا عن اقتصاد أصغر بكثير ممّا كان قبلاً، وقوة شرائية معدومة وإنماء خجول.

 

أمّا بالنسبة إلى إعادة إعمار الدولة ومؤسساتها، فهي الأولوية القصوى، في هذا السياق، نذكّر ونشدّد على أنّ الحرب المبرمجة والممنهجة ضدّ كل مؤسسات الدولة قد بدأت منذ أعوام، فشهدنا تفكّك الدولة والوزارات وسائر المؤسسات التابعة لها، وأيضاً تابعنا كيف شُنّت عليها حرب تدميرية لهدم دولة القانون والمؤسسات والحقوق.

 

لا يُمكن الحديث عن إعادة الإعمار من دون إعادة إعمار الثقة بالقطاع العام، والثقة الداخلية، الإقليمية والدولية. كلّنا يعلم أنّ إعادة إعمار هذا القطاع لا يُمكن أن يُموّل، لا من الداخل ولا من أي ضرائب، نتيجة اقتصاد منحدر وشعب مذلول ومنهوب. فالحل الوحيد لإعادة بناء هذا القطاع الهالك لم ولن يكون إلّا عبر المنظمات الدولية والبلدان المانحة.

 

نذكّر هنا، أنّه بعد تجربة باريس 1 و2 و3، و»سيدر»، خسرنا ثقة كل صناديق الدعم الإستثمارية وإعادة الإعمار، بعدما نُهبت هذه المساعدات، ولم يصل إلّا أموال بخسة إلى أهدافها.

 

نذكّر أيضاً أنّ الدولة قد خسرت مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وفشلت في تنفيذ أي إصلاحات مرجوّة بمساعدة البنك الدولي منذ عقود. فالمعادلة الجديدة واضحة، مفادها: لن تُموّل إعادة الإعمار إلّا عبر إعادة بناء الدولة ومؤسساتها بالعدل والعدالة.

 

وأخيراً، إنّ إعادة بناء الدمار الشامل الذي نعيشه، من المستحيل أيضاً أن يقوم الشعب بمفرده في هذه العملية العملاقة، بعدما خسر المواطنون قرشهم الأبيض ليومهم الأسود.

 

نذكّر ونشدّد على أنّنا نتحدّث اليوم عن شعب واقتصاد، قد خسر ودائعه ومدّخراته ونسبة عيشه، ويُواجه منذ أكثر من 5 سنوات أكبر أزمة مالية، ونقدية، واقتصادية في تاريخ العالم.

 

فمن المستحيل أنّ هذا الشعب، يستطيع إعادة الإعمار لوحده. لكن هل هناك جهوزية لإعادة الإعمار مرّة أخرى على غيوم متحرّكة، ومن ثم إعادة التدمير من جديد؟

 

علماً أنّه حتى لو أنّ البعض يَعِد بتمويل بعض البلدان لإعادة الإعمار، فإنّنا نطالب ببناء صندوق دعم للبنان بمراقبة دولية، وتدقيق ومتابعة، مع تدقيق خارجي لأي عملية تمويل، حتى لا نقع في أخطاء الماضي والفساد المستشري منذ عقود.

 

في المحصّلة، إذا أردنا أن نبدأ عيش حلم إعادة الإعمار والسلام، علينا البدء بإعادة إعمار أنفسنا، ومن ثم إعادة إعمار الدولة ومؤسساتها، وهنا سنبدأ بإعادة إعمار منازلنا وشركاتنا. فنحن اليوم على مفترق طرق، إمّا نحلم بإعادة الإعمار المتينة تحت مراقبة دولة شفّافة وحوكمة رشيدة، وإمّا نبقى في كابوس الحرب، ونعود إلى كابوس الدويلات وبلد المافيا والفساد.

الأكثر قراءة